خلال أقل من خمسة أيام فقط، تأكّد بما لا يقبل الشكّ أن الأفرقاء السياسيين، يتفاعلون مع الأحكام التي تصدر عن المحكمة العسكريّة إنطلاقاً من حسابات وإعتبارات كل فريق، وفي تفسير أوضح، إذا جاء الحكم لمصلحة المتهم المقرّب من هذا الفريق السياسي يسارع جمهور هذا الأخير الى التطبيل والتزمير دعماً للمحكمة، وإذا صدر الحكم بعكس ذلك يعمد الجمهور نفسه الى رجم المحكمة بحجر ويصل به الأمر الى حدّ تخوينها وإتهامها بتسييس الحكم.
خلال أقل من خمسة أيام فقط، أصدرت المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله، حكماً بإبطال التعقبات بحق المقدّم سوزان الحاج في جرم التدخّل مع المقرصن ايلي غبش بفبركة ملف تعامل للمسرحي زياد عيتاني، ودانتها بالحبس لشهرين مع دفع ٢٠٠ ألف ليرة، بجرم كتم المعلومات. بعدها، وبأقل من خمسة أيام، نفّذ الإرهابي عبد الرحمن مبسوط جريمته الإرهابيّة في طرابلس بحق الجيش وقوى الأمن الداخلي، ليتبيّن بعدها أنّ الإرهابي المذكور سبق أن أوقف بعد عودته الى لبنان قادماً من ميادين الحرب السوريّة وحكمته المحكمة العسكريّة بسنة ونصف حبس بتهمة القتال الى جانب تنظيم "داعش"الإرهابي. وبين حكم الحاج وجريمة طرابلس الإرهابيّة، أي خلال الأيام الخمسة المذكورة، إعتصم أهالي الموقوفين الإسلاميين أمام المحكمة العسكريّة إعتراضاً على ما وصفوه بـ"الأحكام المشدّدة والظالمة التي تصدرها المحكمة بحق أبنائهم".
تيّار المستقبل وبعض من يدور في فلكه سياسياً شنّ أعنف حملة سياسيّة على المحكمة معتبراً أن الحكم بحق الحاج جاء مخففاً. وزير الدفاع الياس بو صعب مع جمهور التيار الوطني الحر، إعتبرا أن الإرهابي مبسوط لم يكن ليحكم بسنة ونصف حبس فقط ولم يكن ليخرج من السجن لولا التدخّلات السياسية، وهنا سُجّل غمزٌ واضحٌ من قناة اللواء أشرف ريفي. وفي موازاة ذلك، عبّر أهالي الموقوفين الإسلاميين عن رفضهم لأحكام المحكمة.
أمام هذا المشهد، تعلّق مصادر بارزة في المحكمة العسكريّة بالقول "القضاء العسكري لا يمكن التعاطي معه كالزبون الذي يقصد مطعماً ويطلب à la carte ، فلا يمكن مهاجمة المحكمة على خلفية حكم يصدر بعد أكثر من جلسة والإستماع الى إفادات موقوفين وشهود، وبعد عرض كل ما توفّر من داتا إتصالات وتحقيقات، كل ذلك لأن الحكم لم يلبِّ طلبات ورغبات هذا الفريق السياسي أو ذاك". المصادر عينها أكّدت أن التشكيك السياسي بأحكام المحكمة العسكرية لن يقدّم ولن يؤخّر ولن يغيّر شيئاً على صعيد مسيرتها القضائية، فهي التي حكمت على كبار الإرهابيين، وهي التي أصدرت أحكاماً بحق المتعاملين مع العدو الإسرائيلي، وهي التي تحاكم يومياً عشرات العسكريين والضباط الذين يمثلون أمامها. المحكمة تتعاطى مع كل ملف على حدى بناء على ما يتضمنه من معلومات وإعترافات ومعطيات ووثائق، وتحكم في نهاية المطاف إنطلاقاً من كل ما ذكر أعلاه، لا بناء على طلب سياسي من هنا أو هناك ولا مسايرة لهذا النائب أو الوزير أو القاضي، وخير دليل على ذلك الأحكام التي صدرت عن المحكمة بحق أقرباء لنواب ووزراء وهي بالعشرات، من دون مراعاة صلة القرابة هذه، أضف الى ذلك الأحكام التي تصدر بحق موقوفين معيّنين، يظهر للرأي العام مدى إهتمام بعض السياسيين بملفاتهم. المصادر ختمت، "حتى طلبات النيابة العامة العسكريّة لا تلبى بكاملها أحياناً في الأحكام الصادرة".
إذاً، بين المحكمة العسكرية والسياسيين، العلاقة ليست بأحسن أحوالها، وأحد أهم الأسباب، يعود الى إحالة الملفّات الكبرى على هيئتها الدائمة. ملفّات، للسياسة إهتمام كبير بها، وللمحكمة الكثير من المواد القانونية في قانوني العقوبات والقضاء العسكري، تحكم على أساسها.